فصل: الصرف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الصرف:

{الصدع}، مصدر سماعيّ للثلاثيّ صدع بمعنى شقّ، أو اسم للشقّ في الأرض حيث يخرج النبات.. وزنه فعل بفتح فسكون.
(الهزل)، مصدر سماعيّ للثلاثيّ هزل بمعنى لم يجدّ، وزنه فعل بفتح فسكون.

.[الطارق: الآيات 15- 17]

{إِنَّهُمْ يكيدون كيداً (15) وَأَكِيدُ كيداً (16) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (17)}.

.الإعراب:

{كيدا} مفعول مطلق منصوب في الموضعين (الفاء) رابطة لجواب شرط مقدر {رويدا} مفعول مطلق نائب عن المصدر فهو مرادفه.
جملة: {إنهم يكيدون...} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {يكيدون...} في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: {أكيد...} في محلّ نصب حال.
وجملة: {مهّل...} جواب شرط مقدر أي إن كادوا لك فمهّلهم..
وجملة: {أمهلهم رويدا} لا محلّ لها استئنافيّة مؤكّدة للجملة السابقة.

.الصرف:

{رويدا}، قيل هو تصغير ترخيم بحذف الزوائد، وتكبيره إرواد- بكسر الهمزة- وزنه فعيل بضمّ الفاء وفتح العين.. أو هو تصغير رود بضمّ الراء زنة عود أي مهل. وجاء في المختار: تقول: رويدك عمرا أي أمهله وهو تصغير ترخيم من إرواد مصدر أرود يرود- بكسر الواو-.
ورويدا يستعمل مصدرا بدلا من اللفظ بفعله فيقال رويد زيد أو رويدا زيدا أي أمهله، ويقع حالا مثل ساروا رويدا أي متمهّلين، كما يقع مفعولا مطلقا نائبا عن المصدر بكونه نعتا له أي ساروا سيرا رويدا.

.الفوائد:

- (بله) و(رويد):
(بله): مصدر أهمل فعله، و(رويد) مصدر مرخم لفعل (أرود بمعنى مهل)، فإذا وردتا دون تنوين فهما اسما فعل أمر، مثل: (بله العاجز) اتركه (رويد لمفلس) أمهله أما إذا نوّنتا: (بلها أخاك) (رويدا المفلس) كانتا مصدرين منصوبين على أنهما مفعولان مطلقان لفعليهما المحذوفين لا اسمي فعل. وكذلك أن جررت ما بعدهما بإضافتهما إليه (بله أخيك) (رويد المفلس) فهما هنا مفعولان مطلقان أيضًا. اهـ.

.قال محيي الدين الدرويش:

86 سورة الطارق:
مكيّة.
وآياتها سبع عشرة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.[الطارق: الآيات 1- 17]

{وَالسماء وَالطَّارِقِ (1) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إن كل نفس لما عليها حافظ (4) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مم خلق (5) خلق مِنْ ماءٍ دافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصلب وَالترائب (7) إِنَّهُ على رجعه لقادر (8) يوم تبلى السرائر (9) فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصر (10) وَالسماء ذاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقول فَصْلٌ (13) وَما هُوَ بالهزل (14) إِنَّهُمْ يكيدون كيداً (15) وَأَكِيدُ كيداً (16) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (17)}.

.اللغة:

{وَالطَّارِقِ} أصله كل آت ليلا ومنه النجوم لطلوعها ليلا ومنه قول جرير:
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ** وقت الزيارة فارجعي بسلام

وقد نقدته سكينة بنت الحسين إذ قالت لرواية جرير قبح اللّه صاحبك وقبح اللّه شعره وأي وقت أشهى من الطروق وهو اسم فاعل من طرق طرقا وطروقا إذا جاء ليلا والمراد به هنا النجم وإنما سمي طارقا لطلوعه ليلا وكل من آتاك ليلا فقد طرقك ولا يكون الطروق إلا بالليل، قالت هند بنت عتبة:
نحن بنات طارق ** نمشي على النمارق

تريد أن أبانا كالنجم في علوّه وشرفه.
وأصل الطرق الدق ومنه سمّيت المطرقة وإنما سمي قاصد الليل طارقا لاحتياجه إلى طرق الباب أي دقّه غالبا ثم اتسع به في كل ما ظهر بالليل كائنا ما كان ثم اتسع كل التوسع حتى أطلق على الآتي نهارا.
وفي المصباح: طرقت الباب طرقا من باب قتل وطرقت الحديدة مددتها وطرقتها بالتثقيل مبالغة وطرق النجم طروقا من باب قعد طلع وكل ما أتى ليلا فقد طرق وهو طارق والمطرقة بالكسر ما يطرق به الحديد.
أما ابن جنّي فقد منع أن يأتي الطروق نهارا قال: وأما قول العامة: نعوذ باللّه من طوارق الليل والنهار فغلط لأن الطروق لا يكون إلا بالليل والصواب أن يقال نعوذ باللّه من طوارق الليل وجوارح النهار لأن العرب تقول طرقه إذا أتاه ليلا وجرحه إذا أتاه نهارا.
وفي الصحاح: الطارق: النجم الذي يقال له كوكب الصبح.
{الثَّاقِبُ} المضيء لثقبه الظلام، قال أبو عبيدة: العرب تقول: أثقب نارك أي أضئها وقيل الثاقب العالي يقال ثقب الطائر إذا علا في الهواء وأسف إذا دنا من الأرض ودوّم إذا سكن جناحيه ليستقل وعبارة الأساس واللسان: ثقب الشيء بالمثقب وثقب القداح عينه ليخرج الماء النازل وثقّب اللّآل الدرّ ودرّ مثقّب وعنده در عذارى لم يثقّبن وثقبن البراقع لعيونهنّ قال المثقّب العبدي:
أرين محاسنا وكننّ أخرى ** وثقبن الوصاوص للعيون

وبه سمي المثقب. ومن المجاز كوكب ثاقب ودرّيّ شديد الإضاءة والتلألؤ كأنه يثقب بالظلمة فينفذ فيها ويدرؤها ورجل ثاقب الرأي إذا كان جزلا نظارا وثقب الطائر إذا حلق كأنه يثقب السكّاك وثقّب الشيب في اللحية: أخذ في نواصيها وباب الجميع دخل.
{الصُّلْبِ} الشديد يقال هو صلب في دينه وراع صلب العصا إذا كان يعنّف الإبل وعظم في الظهر ذو فقار يمتد من الكاهل إلى العجب أو أسفل الظهر ويجمع على أصلاب وأصلب وصلبة وهو المراد هنا ويقال هو من صلب فلان أي من نسله وولده وفيه أربع لغات بضم الصاد وسكون اللام و{الصلب} بفتحتين و{الصلب} بضمتين وقد قرئ بها جميعا وثمة لغة رابعة وهي الصالب.
{وَالتَّرائِبِ} {الترائب} عظام الصدر حيث تكون القلادة، وعن عكرمة {الترائب} ما بين ثديي المرأة وحكى الزجّاج أن {الترائب} أربعة أضلاع من يمنة الصدر وأربعة أضلاع من يسرة الصدرة. وفي الحديث: «إن الولد يخلق من ماء الرجل يخرج من صلبه العظم والعصب ومن ماء المرأة يخرج من ترائبها اللحم والدم»، وفي المختار: والترائب جمع تريبة كصحيفة وصحائف. قال امرؤ القيس:
مهفهفة بيضاء غير مفاضة ** ترائبها مصقولة كالسجنجل

يعني المرآة ويقال تريب بغير هاء، وأنشد للمثقب العبدي:
ومن ذهب يلوح على تريب ** كلون العاج ليس بذي غضون

وسيأتي مزيد من معناه في باب البلاغة.
{السَّرائِرُ} ما أسرّ في القلوب من العقائد والنيّات وما أخفي من الأعمال وبلاؤها تعرفها وتصفحها والتمييز بين ما طاب منها وما خبث، وعن الحسن أنه سمع رجلا ينشد:
سيبقى لها في مضمر القلب والحشا ** سريرة ودّ يوم تبلى السرائر

فقال: ما أغفله عمّا في السماء والطارق، وفي المختار السر الذي يكتم وجمعه أسرار والسريرة مثله والجمع سرائر.
{الرَّجْعِ} المطر لأنه يعود كل حين فالسحاب تحمل الماء من الأمطار ثم ترجعه إلى الأرض ويسمى أوبا لأنه يئوب أي يرجع، قال المتنخل الهذلي:
رباء شماء لا يأوي لقلتها إلا ** السحاب وإلا الأوب والسبل

يرثي ابنه أو يصف رجلا بأنه رباء أي طلاع من ربأ وارتبأ إذا طلع لينظر إلى أمر ومنه الربيئة وإضافته إلى شماء من إضافة الوصف لمفعوله وهي القلعة المرتفعة من الشمم وهو الارتفاع والقلة أعلى الجبل وقنته والأوب المطر سمي به بذلك لأن أصله من مياه البحار ثم يئوب إليها والسبل بالتحريك المطر من أسبلت الستر إذا أرسلته وأرخيته.
وقال الواحدي: الرجع المطر في قول جميع المفسرين.
{الصَّدْعِ} الشق لأنه يصدع الأرض فتنصدع به وفي الأساس:
وانصدعت الأرض بالنبات وصدعها اللّه تعالى: والأرض ذات الصدع.

.الإعراب:

{وَالسماء وَالطَّارِقِ وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ إن كل نفس لما عليها حافظ}. الواو حرف قسم وجر والسماء مجرور بواو القسم والجار والمجرور متعلقان بفعل القسم المحذوف و{الطارق} قسم أيضًا منسوق على ما قبله والواو حرف عطف و{ما} اسم استفهام مبتدأ وجملة {أدراك} خبرها و{ما} اسم استفهام و{الطارق} خبرها والجملة المعلقة بالاستفهام سدّت مسدّ مفعول {أدراك} الثاني و{النجم} بدل من {الطارق} أو خبر لمبتدأ محذوف كأنه جواب للاستفهام الوارد قبله تفخيما له وجملة {إن كل نفس لما عليها حافظ} لا محل لها من الإعراب لأنها جواب القسم وما بين القسم وجوابه اعتراض و{إن} بالتخفيف نافية و{كل نفس} مبتدأ و{لما} بالتشديد بمعنى إلا و{عليها} خبر مقدّم و{حافظ} مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية خبر {كل}، وقرئت {لما} بالتخفيف فاللام الفارقة وإن مخففة من الثقيلة مهملة وما زائدة وإلى هذا أشار ابن مالك في الخلاصة فقال:
وخففت إن فقل العمل ** وتلزم اللام إذا ما تهمل

وقد تقدم نظيرها في يس.
{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مم خُلِقَ خلق مِنْ ماءٍ دافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصلب وَالتَّرائِبِ} الفاء الفصيحة واللام لام الأمر وينظر فعل مضارع مجزوم باللام و{الإنسان} فاعل، و{ممّ}: من حرف جر وما اسم استفهام في محل جر بمن وقد تقدم أن ما الاستفهامية قد يحذف ألفها إن سبقها حرف جر والجار والمجرور متعلقان بـ: {خلق} وجملة {خلق} في موضع نصب بقوله: {فلينظر} المعلّق عنها بالاستفهام وجواب الاستفهام {خلق من ماء} وجملة {خلق من ماء دافق} مستأنفة كأنها جواب سؤال مقدر و{خلق} فعل ماض مبني للمجهول و{من ماء} متعلق بـ: {خلق} و{دافق} نعت لـ: {ماء} أي مدفوق أو هي من صيغ النسب كلابن وتامر أو هو مجاز بالإسناد فقد أسند إلى الماء ما لصاحبه مبالغة وجملة {يخرج} نعت ثان أو حالية و{من بين الصلب} متعلقان بـ: {يخرج} و{الترائب} عطف على {الصلب}.
{إِنَّهُ على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ} إن واسمها و{على رجعه} متعلقان بـ: {لقادر} والضمير في {إنه} يعود على اللّه واللام المزحلقة وقادر خبر إن و{يوم} بظرف متعلق بـ: {رجعه} ولا يصحّ تعليقه بـ: {لقادر} لأنه تعالى قادر على رجعه في كل وقت من الأوقات ولا تختص قدرته بوقت دون وقت، وقيل هي معمول لمحذوف تقديره يرجعه يوم أو اذكر يوم ولعله أولى، وقال بعضهم متعلق بـ: {ناصر} وهو فاسد لأن ما بعد ما النافية وما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلهما.
والفاء عاطفة وما نافية و{له} خبر مقدّم و{من} حرف جر زائد و{قوة} مجرور بمن لفظا مرفوع محلا لأنه مبتدأ مؤخر والواو حرف عطف و{لا} نافية و{ناصر} عطف على {قوة} وجملة {تبلى السرائر} في محل جر بإضافة الظرف إليها و{السرائر} نائب فاعل {تبلى}.
{وَالسماء ذاتِ الرَّجْعِ وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ} الواو حرف قسم وجر و{السماء} مجرور بواو القسم والجار والمجرور متعلقان بفعل القسم المحذوف و{ذات الرجع} نعت لـ: {السماء} {والأرض ذات الصدع} عطف على الجملة المتقدمة.
{إِنَّهُ لَقول فَصْلٌ وَما هُوَ بِالْهَزْلِ} الجملة لا محل لها لأنها جواب القسم وإن واسمها واللام المزحلقة وهي للتوكيد وقول خبر إن {فصل} نعت لـ: {لقول} والواو حرف عطف و{ما} حجازية تعمل عمل ليس و{هو} اسمها والباء حرف جر زائد والهزل مجرور لفظا منصوب محلا لأنه خبر {ما}.
{إِنَّهُمْ يكيدون كيداً وَأَكِيدُ كيداً فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} كلام مستأنف مسوق للإجابة عن سؤال نشأ من فحوى الكلام كأنه قيل وماذا تتسمى مكابرتهم وعنادهم فقيل انهم، وإن واسمها وجملة {يكيدون} خبرها و{كيدا} مفعول مطلق والفاء فصيحة أي إن شئت أن ترى مغبة أمرهم فلا تستعجل بالانتقام منهم، ومهل فعل أمر و{الكافرين} مفعول به و{أمهلهم} كرر فعل الأمر تأكيدا لرسوله وزاد في الصيغة لزيادة تسكين قلبه وتصبيره و{رويدا} نصب على المصدر والأصل إروادا فهو تصغير ترخيم بحذف الزوائد.
وفي المختار: وفلان على رود بوزن عود أي على مهل وتصغيره رويد ويقال أرود في السير إروادا ومرودا بضم الميم وفتحها أي رفق وتقول رويدك عمرا أي أمهله وهو مصغر تصغير ترخيم من إرواد مصدر أرود يرود.
وعبارة السمين: اعلم أن رويدا يستعمل مصدرا بدلا من اللفظ بفعله فيضاف تارة كقوله: {فضرب الرقاب} ولا يضاف أخرى نحو رويدا زيدا ويقع حالا نحو ساروا رويدا أي متمهلين ونعتا لمصدر محذوف نحو ساروا رويدا أي سيرا رويدا.
هذا وتأتي رويد زيدا اسم فعل بمعنى أمهله وهو مشتق من مسمّاه الذي هو أرود وأصله المصدر الذي هو إرواد وصغّر بحذف الزوائد تصغير الترخيم ومثله تيد زيدا في معنى رويد زيدا، والذي نراه أنه إن أضيف فهو اسم فعل أمر مبني على الفتح ولا محل له من الإعراب وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت فإن نوّنته نحو رويدا أخاك أو أضفتهما نحو رويد أخيك فهو حينئذ منصوب على المفعولية المطلقة.

.البلاغة:

1- في قوله: {من بين الصلب والترائب} طباق، فقد طابق بين عظم الظهر وعظم الصدر وأفرد الأول وجمع الآخر لأن صدر المرأة هو تريبتها فيقال للمرأة ترائب يعني بها التريبة وما حواليها وما أحاط بها وكذلك تقول العرب: رأيت خلاخيل المرأة وثديها وإنما لها ثديان وخلخالان أو يقال إنه تعالى أراد: يخرج من بين الأصلاب والترائب، فاكتفى بالواحد عن الجماعة كما قال تعالى: {أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما}، ولم يقل والأرضين.
هذا وقد رمق أبو الطيب سماء هذه الآية فنقلها نقلا خفيا ينمّ على قدرة وألمعية فقال متغزلا وأجاد:
بأبي الشموس الجانحات غواربا ** اللابسات من الحرير جلاببا

المنهبات قلوبنا وعقولنا ** وجناتهنّ الناهبات الناهبا

الناعمات القاتلات المحييا ** ت المبديات من الدلال غرائبا

حاولن تفديتي وخفن مراقبا ** فوضعن أيديهنّ فوق ترائبا

وبسمن عن برد خشيت أذيبه ** من حر أنفاسي فكنت الذائبا

وإنما أوردنا القطعة لنفاستها، والشاهد في البيت الرابع حيث اقتبس مكان شهوة المرأة فجعلها تضع أيديها عليها ولهذا لم يستطع أحد من شرّاح ديوان أبي الطيب فهم البيت على حقيقته وخلطوا خلطا عجيبا فقال ابن جنّي: أشرن إلى من بعيد ولم يجهرن بالسلام والتحية خوف الرقباء والوشاة.
وهذا كلام غير مفهوم فإن الخوف من الوشاة والرقباء يستدعي وضع الأيدي على الوجوه لا على الترائب.
وقال الواحدي وخاض في بيداء من الوهم: طلبن أن يقلن نفديك بأنفسنا وخفن الرقيب فنقلن التفدية من القول إلى الإشارة أي أنفسنا تفديك.
وهذا يحتمل للكلام ما لا يحتمله.
ولعل ابن فورجة كان أذكى من صاحبيه فقال: وضع اليد على الصدر لا يكون إشارة بالسلام وإنما أراد وضعن أيديهنّ فوق ترائبهنّ تسكينا للقلوب من الوجيب.
على أنه رغم نفاسته منقوض بصدر البيت.
2- وفي قوله: {النجم الثاقب} الفصل، وسياق الكلام يقتضي الوصل لأنه قصد إشراكهما في الحكم واتفقا فيه وإنما عدل عنه تفخيما لشأنه فأقسم أولا بما يشترك فيه هو وغيره وهو الطارق ثم سأل عنه بالاستفهام تفخيما لشأنه ثانيا ثم فسّره بالنجم إزالة لذلك الإبهام الحاصل بالاستفهام، روي أن أبا طالب كان عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فانحطّ نجم فجزع أبو طالب وقال أيّ شيء هذا؟ فقال عليه السلام: «هذا نجم رمي به وهو آية من آيات اللّه».
3- وفي قوله: {والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب إن كل نفس لما عليها حافظ} فن المماثلة وهو تماثل ألفاظ الكلام كلها أو بعضها في الزنة دون التقفية فـ: {الطارق} و{الثاقب} و{حافظ} متماثلة في الزنة دون التقفية، وقد تأتي بعض ألفاظ المماثلة مقفّاة من غير قصد كقول امرئ القيس:
كأن المدام وصوب الغمام ** وريح الخزامى ونشر العطر

وأورد الشيخ عبد الغني النابلسي للقاضي يحيى بن أكثم بيتين في المماثلة:
إنما الدنيا طعام ومدام وغلام ** فإذا فاتك هذا فعلى الدنيا السلام

وأورد لابن الصائغ أيضًا:
زار الحبيب بليلة ووشاته لم يشعروا ** فضممته ولثمته وفعلت ما لا يذكر

ولهذا قال ابن حجة عن فن المماثلة: أنه نوع سافل بالنسبة إلى غيره.